رويال منصور مراكش .. قصر منيف يروي أسرار الحضارة المغربية
مراكش – د.جمال المجايدة : أمضيت إجازة لمدة خمسة أيام في رويال منصور مراكش , ونزلت في (الرياض ) أي القصر الخاص داخل القصر الكبير وهو عبارة عن بناء فسيح مفعم بالابداع والفن والزخرفة المغربية والاثاث الذي قلما نشاهد له مثيلا .
أدهشتني رائحة ازهار الليمون وزقزقة العصافير التي تقف علي نوافد الرياض والاشجار الورافة الظلال المحيطة به من نخيل واعناب وبرتقال ورمان وورود.
تناولنا الافطار في حديقة الفندق التي تحيط بها اشجار الزيتون التاريخية وتذوقنا نكهة الحريرة المغربية صباحا والطاجن وغيرها من المشهيات المغربية مع كاس الاتاي الاخضر وهو الشاي المغربي الذي لايفارق المائدة بجانب الحلوي الشهيرة المصنوعة من اللوز .
في ارجاء القصر
قمت بجولة استكشافية في ارجاء القصر باعتباره فنا وتحفة معمارية تبعث في النفس الهدوء و الراحة والتأمل , ويبدو ان مبني القصر بطرازه المعماري نابع من رؤية فنية ابداعية قلما يوجد لها مثيل في الشرق او الغرب , فقد ابدع صانعيه لانهم اضافوا للانسانية ارثا فنيا فائق الروعة.
يعد / رويال منصور مراكش/ من افخم القصور الفندقية في المغرب والعالم نظرا لروعة بناءه الهندسي والمعماري الذي يروي قصة الابداع الفني في المغرب.
وهو بصراحة تحفة رائعة تتجاوز حدود خيال المسافر الذي تقع عيناه لاول مرة علي هذا القصر الذي يعكس الجوهر الحقيقي للتقاليد المغربية.
ويبدو ان الملك محمد السادس عاهل المغرب وهو المالك لقصر / رويال منصور مراكش / اراد عند بناء هذا الصرح السياحي والتراثي والفني ، إلى محاكاة أسلوب الحياة المغربية الاكثر اشعاعا في شمال افريقيا , وليكون شاهدا على العمارة المغربية وبراعة المعماريين والفنيين والمغاربة في التنفيذ.
وهذا واضح في كافة أرجاء الفندق الواقع داخل السور القديم لمدينة مراكش التاريخية التي كانت عاصمة للمغرب قبل اكثر من 300 عام وسط واحات النخيل الخضراء . ويطل الفندق علي حديقة عامة انشئت في القرن الثامن عشر وفيها اجمل الاشجار والنباتات النادرة .
فنون وابداعات مذهلة
عشت حالة من الذهول لما رأته عيناي من فنون ابدعتها يد الانسان المغربي المفعم بالعاطفة ، والذي يترك من خلال الفنون التي ابدعها في كافة ارجاء رويال منصور مراكش بصمات لا تمحى في ذاكرتهم.
وتتضح معالم تصميم دقيق يعيد احياء الأشكال الكلاسيكية من المدينة التقليدية القديمة ، مع الساحات والمباني والحدائق تتخللها مسارات متعرجة وقنوات مائية تحيط بها اشجار النخيل والبرتقال والليمون والرمان وماتجود به الطبيعية من ورود وازهار تغرد حولها الطيور منذ بزوغ الفجر و تغطي 3،5 هكتار محاطة تماما بالحدائق داخل سور المدينة القديمة في وسط مراكش التاريخية .
عبقري التصميم الفني الاسباني لويس باليخو هو الذي وضع تصماميم حدائق قصر رويال منصور مراكش كما انه المهندس الذي طور حدائق قصر الحمراء في اسبانيا .
بوابة مدخل القصر الكبرى هي بمثابة مرايا لجميع البوابات الشهيرة للمدن المغربية التاريخية وهي بحد ذاتها تعبير امين وصادق عن مهارة الحرفيين المغاربة والمواد والتقنيات المستخدمة ، مثل خشب الأرز التقليدي وخشب البلوط وخشب الزان ، والمعادن والجبس النحتي.
بوابة الخميس
كما هو الحال مع باب فاس الشهير (بوابة الخميس) في مدينة مراكش، فان بوابة رويال منصور تحاكي تلك البوابة التاريخية التي مرت عليها قرون وهي تستقبل زوارها من كافة ارجاء الدنيا وجري تصميم بوابة القصر الاسطوري بطريقة تبعث علي الراحة والسعادة لانه عند دخول الضيوف الي تلك البوابة الكبيرة فانهم يكتشفون فناءا ساحرا بمثابة واحة للسلام والهدوء.
البوابة الملونة بشكل مثير للدهشة , وضعت حولها النباتات المعطرة وهناك عدد كبير من الأشجار والنباتات وضعت ايضا في تصاميم هندسية حول نافورة جميلة في الوسط.
المشهد في بهو الفندق يدعو للاعتراف بالفضل لانسان المغرب المبدع الذي بلغ حد الكمال في بناء قصر يظل تحفة خالدة للانسانية لقرون طويلة قادمة .
حينما وصلنا الي الحديقة المطلة علي المركز الصحي بجوار الفندق رحت اتذكر حدائق قصر الحمراء في غرناطة انه تلاقي الابداع مع الطبيعة تحت زرقة السماء وغناء العصافير حيث يمكن قراءة الطبيعة بهدوء أو ببساطة يترك الانسان لعنان ذاته لكي تستريح .
مطاعم الفندق مذهلة ورائعة في التصميم والبناء وكلها تطل علي قاعة الاستقبال الرئيسية , وهناك مكتبة تغري الضيوف إلى قضاء وقت مع الروح والتعرف علي جماليات الصوفية والفن الروحي في المغرب واشياء اخري جميلة .
ان كل الاعمال الفنية والقطع الهندسية تمت داخل القصر الذي إفتتح في يونيو 2010 في مراكش ولم يتم استيرادها جاهزة فالعمال والفنيين كانوا ينحتون الجبس والرخام ويحفرون في الخشب مشكلين مبني هو عباره عن متحف داخل المتحف الكبير .
البناء بوجه عام يحافط على البنية التقليدية المغاربية المتميزة في شمال أفريقيا واسبانيا والبرتغال ، وهناك ايضا مهندسين وفنين من اسبانيا وفرنسا شاركوا مع زملاءهم المغاربة في وضع التخطيطات التصاميم المتناظرة والكلاسيكية في الشكل .
هناك ابداع في استخدام نحت الجبس وحفر الخشب ونقش السيراميك الدقيق في كافة ارجاء المبني الذي يبدو في بعض الاحيان منحوتة هندسية مترامية الاطراف .
وتبدو هناك مساحة للتفرد والخصوصية والتي يتعذر الوصول إليها لغير المقيمين. في الفندق وهي الاقامة في احد الاجنحة الملكية الثمينة والمزدانة بروائع الفن الشرقي والمغربي ، انها تبين فقط لضيوفها من خلال الرخام المسارات المعبدة والباحات الجميلة التي تحيط بها بساتين الزيتون والنخيل القديم .
الرياض .. فيلا ملكية !
يطلق علي كل جناح من اجنحة الفندق ال 53 اسم ( رياض ) وهي الكلمة التقليدية المغربية التي تشير الي الفيلا الملكية , لفرط الابداع الفني والنحت الجمالي والاثاث المفعم بالفخامة الملكية التي يندر وجودها في فندق اخر .
وتصل مساحة الرياض مابين 180 مترا و200 مترا مربعا , في حين تصل مساحة الرياض الشرفي الي اكثر من 1800 مترا مربعا وهو بمثابة قصر داخل القصر المنيف لتعدد الغرف والطوابق وصالونات الجلوس وغرف الاستقبال والمكاتب والحمامات وصحن القصر والفناء والسطح والمسبح والمحيط الخارجي من الاشجار والازهار والورود المزروعة علي مساحة 800 مترا .
عبقرية التصميم وجمالية المكان !
أسفر التعاون بين الحرفيين المغاربة في تقدم عرض استثنائي من المهارات في تصميم هذا الفندق وهي مهارات تنتقل من الأب الى الابن ، والتي تعبر عن الجوانب الأكثر تعقيدا في الثقافة الزخرفية والرؤية الفنية التقليدية .
انه بناء مميز عمل فيه 1200 شخص مابين مهندس ومصمم وفني ونحات وعامل لمدة ثلاثة سنوات ونصف السنة لكي يخرجوا الي الانسانية هذه التحفة الفنية الفريدة من نوعها .
واضح انها عبقرية التصميم وجمالية المكان ورمزية الاسم في تلك الأرض الحمراء التي تفوح منها رائحة الحياة وتمتلئ بعشب الحياة ايضا، ويتمثل التصميم المميز والعبقري بسلسلة معقدة من الأنفاق تحت الارض تربط مابين كل الاجنحة لتقديم الخدمات للضيوف بدون ازعاج فوق الارض ، واتيح لنا التعرف علي هذا النظام الفريد من نوعه اثناء الجولة وهو يضمن الخصوصية لضيوف الفندق .
كل اجنحة الفندق مصممة بشكل فردي وعددها 53 ويبدو كل جناح وكأنه قصرا داخل القصر ، حيث يضم كل جناح ثلاثة طوابق وتترواح الغرف في كل جناح مابين غرفة الي 4 غرف نوم.
وتم ترتيب الغرف حول فناء رائع في الهواء الطلق مطل علي جميع الطوابق الأرضية حيث توجد غرفة المعيشة ، في كل جناح ، بهو وفناء في الهواء الطلق. وصالات للاستقبال وقاعات للطعام و مسبح فوق سطح الجناح وخيمة عربية ذات ارائك تقليدية ، وكلها محاطة باشجار النخيل ونوافير المياه .
كل رياض متميز في حروفه وزخرفتة بشكل فردي مع تقنيات عاليه الدقة اضافة الي الفنون واللوحات اليدوية التي تعبر عن حرفية عالية ومفروشات مصنوعة من أجود انواع الأقمشة والتحف والأثاث المثير الذي يجمع مابين التقليد والحداثة .
وكل رياض مزود بما يكفي من التكنولوجيا الحديثة ، بما في ذلك أسطح السقوف العليا التي تعمل مع أجهزة استشعار لتغلق تلقائيا لحظة سقوط قطرات من المطر كما ان لوحات التحكم في الغرف تعمل باللمس وتوفر أقصى درجات الراحة للضيف.
Leave Your Comment