سردينيا .. شواطئ فيروزية وجبال خضراء وطبيعة خلابة
سردينيا( ايطاليا ) – جمال المجايدة
زرت سردينيا, تلك الجزيرة الايطالية المتوسطية الوادعة الجميلة , وامضيت فيها اسبوعا كاملاً مع جمال الطبيعة الخلابة , فشواطئها الفيروزية وجبالها الخضراء وهوائها العليل واهلها الطيبين وزوارها الارستقراطيين تجعلك في حالة من الاسترخاء والتأمل .
وصلنا الي مطارها الصغير المعروف باسم «كالياري إيلماس» الدولي , عصرا قادمين من مدينة فيرنزي الايطالية , ومن هناك ركبنا السيارة الي فندق / كولونا بيفرو / ذات النجوم الخمس الذي اقمنا به خلال الرحلة .
الفندق يغريك بالبقاء في اروقته وحدائقه وشرفاته المطلة علي البحر المتوسط بشاطئه الفيروزي وتوسطه في احضان التلال الجبلية الخضراء يعطيك فسحة من الوقت كي تتأمل تلك الطبيعة التي تدخل في لحظات تصالح من الذات .
أغمض عينيك للحظة وحاول أن تتخيل بحراً تفوح منه رائحة البحر الحقيقي وتلمع مياهه بالضوء، وشاطئ ممتد امام فندق كولونا بيفيرو ، وخلف هذا كله عباءة من الخضرة وشمس مبهجة او قمر مضيئ وسط ظلال منعشة.
ماهي سوي لحظات حتي وصلت السيدة سليفيا نورديو مديرة التسويق والمبيعات بفندق / كولونا بيفرو/ للترحيب بنا وقالت انتم الان في منطقة بيفرو سيرفو اجمل منطقة في الجزيرة التي تعد تاني اكبر جزيرة في المتوسط .
وتجولنا معها في ارجاء الفندق المشيد علي الطراز المعماري الايطالي الروماني في احضان التلال الجبلية وبدا لنا وكانه قطع فنية منحوتة في الجبال مزدانة بالاشجار والورد .
الفندق بحد ذاته موطنا للجمال والاسترخاء والتنزه علي شاطئ البحر او وسط الغابات وهو قريب من منطقة ميناء سيرفو بيفرو الذي يستقبل يخوت الامراء والاثرياء من كل صوب وحدب , وهناك في تلك المنطقة تلتقي طيور النوارس البحرية مع اشرعة اليخوت و اشعة الشمس وقت الغروب لتزيدها بهاء ورونقا .
كما ان الزوار الذين جاءوا الي الجزيرة من الشرق والغرب من اوروبا والخليج العربي تراهم فقط في المطاعم او تلك الحانات الصغيرة المنتشرة في السوق الجميل المشيد علي الطراز الروماني و الذي بناه الامير كريم اغا خان اكبر رجل اعمال ومستثمر في جزيرة سردينيا كلها .
في فندق كولونا بيفرو!
يقع هذا الفندق الجميل الذي اقمنا فيه طوال الرحلة بين مجموعة من التلال محاط بالحدائق والألوان الزاهية للورود والفراشات ويقع وسط الغابات المتوسطية التي تضيف بعدا خاصا لراحة البال بين الخضرة ورزقة الماء والسماء في مشهد مهيب بالجمال.
وزرنا مزرعة الخضار المجاورة للفندق والتي تستخدم منتجاتها في الطهي لنزلاء الفندق وهو اسلوب رائع يضمن الجودة ويقدم خدمة غير مسبوقة من الطعام الطازج .
واضافة لوقوعه الي الخليج الساحر المعروف باسم بيفرو ، في قلب ساحل الزمردي واسمه / بورتو سيرفو / ، فانه يعطي زائرا احساسا خاصا ممزوج بمشاعر فريدة من نوعها .
جلسنا وقت الغروب في شرفة الفندق المطلة علي حدائق الزهور الساحرة ، حتي داهمنا سحر أضواء الليل القادمة من القمر ، و حمامات السباحة تبدو امامنا كأنها واحة للسلام .
وحسبما تقول سيلفيا نورديو / يوفر الفندق لعشاق الرياضة اختيارهم ما بين الغولف ، وركوب الخيل والبولو ، والإبحار ، اوصيد الأسماك الكبيرة والغطس .
في بورتو سيرفو!
ونحن نتناول العشاء في مطعم / برنس للمأكولات البحرية / في ميناء / بورتو سيرفو/ الشهير سألت سيلفيا هل ممكن ان نطلب طبقا من السردين ؟
ضحكت وقالت سوف انادي علي صاحب المطعم اندريا اوريشيوني ليشرح لك الحكاية / سردينيا اسم قد يوقع في التباس ، فتظن أن أصله يعود إلى سمك السردين في حين أنه مرتبط بلغة ” السارديكية ” التي هي من جذور اللغة الرومانية وربما كان تسمية سمك السردين تعود إلى سردينيا وليس العكس .
تاريخ عريق !
طلبت من السيدة سليفيا ان تنظم لنا جولة في المناطق الاثارية لكي نتعرف اكثر علي تاريخ هذه الجزيرة التي هي في الواقع ثانية كبرى جزر المتوسط وسط البحر التيراني الذي يحدها شرقا ، والبحر الإيبيري غربا. وتحدها جنوبا جزيرة كورسيكا وتشرف شمالا على تونس الخضراء .
اصطحبتنا بسيارتها الخاصة في جولة مع تاريخ جزيرة سردينيا القديم , وهناك كانت المرشدة السياحية في انتظارنا وبدأت الرحلة بالحديث عن تاريخ الجزيرة وقالت أنها كانت تسمى من قبل المسينيين بـ/ هيكنوسا / في بداية العصر النوراغي الذي يعود الى 1500 سنة قبل الميلاد.
ويعود اصل المسينيين الى جنوب اثينا في اليونان حيث اسسوا مركزا حضاريا وعسكريا مهماً بين عام 1100 و1600 قبل الميلاد.
ولاحقا اخذ منهم المانويون ليشكلوا حضارتهم المعروفة في كريت ومعظم اطراف اليونان القديم. ويرجح بأن الاسم يعني «جزيرة الهكسوس» الذين طردوا من قبل احمس الاول من مصر عام 1540 قبل الميلاد.
اما الاسم الاخير والمستخدم وهو سردينيا يعود الى اسم شاردانا احد شعوب البحار (على الارجح انهم من سواحل لبنان وفلسطين) الذين غزو مصر وهزمهم رمسيس الثالث عام 1180 قبل الميلاد.
الحفريات التي تعرضت لها الجزيرة تقول بأنها كانت مأهولة منذ اكثر من 250 الف سنة، وان السكان القدماء في الجزيرة تعرفوا وتعاطوا مع الشعوب الاخرى في حوض المتوسط .
وخلال العصر النوراغي الذي سبق وصول روما وجيشها الى الجزيرة، تم بناء ما لا يقل عن 35 الف برج تعرف تاريخيا باسم / نوراغي /، ولا يزال في الجزيرة حتى الآن آثار 9 الآف منها , وكانت هذه الابراج المبنية من دون اساس والمنتشرة في كل مكان، تستخدم للطقوس الدينية والاجتماعات والعيش بشكل عام.
وتـــطـــورت عــلــى أرض ســرديــنــيــا حضارات قديمة جداً وتحفظ الجزيرة آثاراً كثيرة للحقبة المعروفة بما قبل النوراغيّة، وخــلال العصر البرونزيّ كانت حضارة النوراغي سائدة في سردينيا .
وقام باكتشاف «النوراغي» المهندس وعالم الآثار الإيطالي جيوفاني ليليو في عام 1951، ومنذ ذلك الحين ولا تزال عمليات الحفر والتنقيب قائمة، ويبلغ ليليو اليوم من العمر 95 عاما إلا أن هناك عدة فرق تقوم بقيادة علماء آثار آخرين بمتابعة مسيرة التنقيب التي يبدو أنها لن تعرف نهاية، فبالقرب من «النوراغي» يوجد متحف «كازا زاباتا» الذي يعرض قسما من «النوراغي» التي استعمل في بنائها الحجر الكلسي والبازلتي، واللافت في تلك البيوت أنها تنتشر على مسافات شاسعة لأنها لا تقتصر على منزل واحد، إلا أنها محاطة ببيوت صغيرة أخرى كان يسكنها العمال، ويعرض في المتحف أيضا عدد كبير من التماثيل البرونزية التي اشتهر بها «النوراغيون» الذين لا يزالون مجهولي الهوية، ولكن يرجح أن تكون أصولهم فينيقية.
وتعتبرها منظمة اليونيسكو أحد المواقع التي تعود إلى التراث الإنساني الذي يفترض حمايته.
في كوستا أزميرالدا.
ونحن في طريق العودة الي كولونا بيفرو , تجولنا بالسيارة علي شاطئ كوستا أزميرالدا و هو الشاطئ الزمردي الشهير الذي شيدت فيه الأبنية الإسمنتية للمرة الأولى في مطالع القرن العشرين.
لاقت هذه المباني هوى النخبة المترفة التي ظهرت في ستينات القرن نفسه. ويشبه البعض كوستا أزميرالدا بالشاطئ اللازوردي فهي مقصد النخبة من السياح الذين ياتون للإسترخاء والتنعم برفاهية العيش مما يجعلها مركز السياحة المخملية بامتياز .
جولة في كالياري
كالياري عاصمة سردينيا وأكبر مدنها وهي تقع جنوب الجزيرة، على الساحل المطلّ على البحر الأبيض المتوسط.
ومن أشهر معالمها القلعة القديمة “كاستيلو” التي ورثها الرومان عن الفينيقيين وهي من أقدم أحياﺀ المدينة وهي تطل على خليج المدينة الذي يعرف باسم “خليج الملائكة”، وتشتهر كالياري بأنها مدينة وقفت شاهدة على حضارات عدّة، ويوجد في “كالياري” مرفأ يزيّن وسط المدينة، تنتظر عنده اليخوت والبواخر الجميلة أصحابها، ومقابل المرفأ تجد شارع روما الأطول في “كالياري” وتغطيه قناطر جميلة التصميم، ومنه تنطلق في رحلات المشي التي لا تنتهي في أزقة أثريّة.
شهدت كالياري العديد من المعارك والحروب لذا تراها محصنة بالأسوار التي استخدم في بنائها حجر الجير الأبيض، إضافة إلى وجود الكاتدرائية الأثرية التي تم ترميمها في الثلاثينات إنما لا تزال تحافظ على أسلوبها القديم وبقربها تجد القصر القديم الذي كان في السابق مكان إقامة حكم الجزيرة (قبل عام 1900) واليوم يستعمل كقصر رسمي للحكومة السردينية.
يوجد في كالياري مرفأ يزين وسط المدينة، تنتظر عنده اليخوت والبواخر الجملية أصحابها لكي تمخر عباب البحار، وتتجول في مياه الجزيرة الصافية الزرقاء، ومقابل المرفأ تجد شارع روما الأطول في كالياري وتغطيه القناطر جميلة التصميم،
ومنه تنطلق في رحلات المشي التي لا تنتهي في أزقة أثرية تكتشف فيها أشهى نكهات الجزيرة من خلال محلات صغيرة لا يخطر ببالك ما تضمه من مواد ومكونات ومطيبات لأشهى المأكولات المتوسطية، فلا بد من تذوق الحلويات التي تشتهر بها الجزيرة والتي تتميز بأشكال حلزونية، وبعضها ملفوف بأوراق ملونة ومن أشهر مصنعيها محل /دوركي/ الذي تجد محله في شارع متفرع عن شارع روما الرئيسي، ولا بد من تذوق البسكويت بالفانيليا والشمر، وبعدها لا بد أن تتذوق المعكرونة السردينية التي تصنع كل قطعة منها بواسطة اليد وتشتهر بنكهة الزعفران وتؤكل مع صلصة الطماطم وثمار البحر أو بيض السمك البوراغا .
Leave Your Comment