سردينيا .. جزيرة اسطورية وسط البحر المتوسط تتسم بالجمال والغابات الخضراء والشواطيء الفيروزية
جزيرة سردينيا – جمال المجايدة : الزيارة الي سردينيا , تلك الجزيرة الإيطالية المتوسطية الجميلة, اشبه بالحلم والخيال فهي جزيرة اسطورية في وسط البحر الابيض المتوسط , تتسم بالجمال والرحابة والغابات الخضراء والشوطئ الفيروزية وبشاشة الوجه وكرم اهلها الطيبين .
والزائر الي الجزيرة للمرة الاولي يفاجأ بان سردينيا على هذا القدر الكبير من جمال الطبيعة الخلابة , فشواطئها الفيروزية وجبالها الخضراء وهوائها العليل وزوارها الأرستقراطيون تجعلك في حالة من الاسترخاء والتأمل.
وصلنا إلى مطارها الصغير المعروف باسم “كالياري إيلماس” الدولي, عصرًا قادمين من العاصمة الإيطالية روما , ومن هناك ركبنا السيارة إلى فندق “كولونا ريسورت ” ذو النجوم الخمس وأقمنا فيه طوال الرحلة.
ويغريك الفندق بالبقاء في أروقته وحدائقه وشرفاته المطلة على البحر المتوسط بشاطئه الفيروزي ومسابحه التي يقام انها الاكبر في اوروبا كلها .
وكون الفندق ساكن في أحضان التلال الجبلية الخضراء، يعطيك فسحة من الوقت كي تتأمل تلك الطبيعة التي تدخل في لحظات تصالح مع الذات.
وفي إحدى الأمسيات تناولنا العشاء في “كولونا ريزورت” المشيد على الطراز الروماني القديم ، والمشهد صراحة خلال العشاء يفوق الوصف وسحر الطبيعة يطغي على المكان, وهناك في المنتجع ضيوف من دول خليجية وأوروبية يمضون عطلاتهم في هدوء وراحة بال .
أغمِض عينيك للحظة وحاول أن تتخيل بحرًا تفوح منه رائحة البحر الحقيقي وتلمع مياهه بالضوء، وشاطئ ممتد أمام فندق كولونا ريسورت ، وخلف هذا كله عباءة من الخضرة وشمس مبهجة أو قمر مُضيء وسط ظلال منعشة.
تجولنا في اليوم الاول بين اغصان الفلين في مصنع / موليناسMolinas / وكانت تجربة مثيرة لرؤية تلك الصناعة النادرة المتعددة الاستخدامات وتعد سردينيا من اهم مناطق زراعة اشجار الفلين في العالم ,
وبعدها انتلقنا لزيارة مصنع للسيراميك /Pasella / ويتم صناعة التحف النادرة يدويا امام الزوار , وكلها لحظات معبرة عن مهارة اهل سردينيا في تحويل الطين الي فن رائع يبهج الزائر .
تجولنا كذلك في منطقة / بيفرو شيرفو / أجمل منطقة في الجزيرة التي تعد ثاني أكبر جزيرة في المتوسط .
وشاهدنا الفنادق والاسواق المشيدة على الطراز المعماري الإيطالي الروماني في أحضان التلال الجبلية، وبدت لنا وكأنها قطع فنية وهي صراحة في حد ذاتها موطن للجمال والاسترخاء والتنزه على شاطئ البحر أو وسط الغابات .
وفي المساء تناولنا طعام العشاء في فندق / بيترا بيانكا Petra Bianca Hotel
وكانت امسية رائعة في احضان الطبيعة وسط الاشجار التي تفوح منها رائحة العبير في ليالي الصيف الطويلة .
تاريخ عريق !
نظم لنا مشرف الرحلة ادريانو بيرنو جولة في المناطق الآثرية لكي نتعرف أكثر على تاريخ هذه الجزيرة التي هي في الواقع ثانية كبرى جزر المتوسط وسط البحر التيراني الذي يحُدها شرقًا ، والبحر الإيبيري غربًا، وتحُدها جنوبًا جزيرة كورسيكا وتُشرف شمالًا على تونس الخضراء .
وامضينا وقتا مع تاريخ جزيرة سردينيا القديم, حيث قال لنا المرشد السياحي : إنها كانت تسمى من قبل المسينيين بـ “هيكنوسا” في بداية العصر النوراغي الذي يعود إلى 1500 سنة قبل الميلاد.
ويعود أصل المسينيين إلى جنوب آثينا في اليونان حيث أسسوا مركزًا حضاريًا وعسكريًا مهمًا خلال الفترة من 1100 و1600 قبل الميلاد.
ولاحقًا أخذ منهم المانويون ليشكلوا حضارتهم المعروفة في كريت ومعظم أطراف اليونان القديم. ويرجح أن الاسم يعني “جزيرة الهكسوس” الذين طُردوا من قُبل أحمس الأول من مصر العام 1540 قبل الميلاد.
أما الاسم الأخير والمستخدم وهو “سردينيا” يعود إلى اسم شاردانا أحد شعوب البحار، وعلى الأرجح أنهم من سواحل لبنان وفلسطين الذين غزوا مصر وهزمهم رمسيس الثالث في العام 1180 قبل الميلاد.
والحفريات التي تعرضت لها الجزيرة تقول إنها كانت مأهولة منذ أكثر من 250 ألف سنة، وأن السكان القدماء في الجزيرة تعرفوا وتعاطوا مع الشعوب الأخرى في حوض المتوسط .
وخلال العصر النوراغي الذي سبق وصول روما وجيشها إلى الجزيرة، تم بناء ما لا يقل عن 35 ألف برج، وتُعرف تاريخيًا باسم نوراغي، ولا تزال في الجزيرة حتى الآن آثار، تقدربـ 9 آلاف آثر, وكانت هذه الأبراج المبنية من دون أساس والمنتشرة في كل مكان، تُستخدم للطقوس الدينية والاجتماعات والعيش بشكل عام.
وتـــطـــورت عــلــى أرض ســرديــنــيــا حضارات قديمة جدًا، وتحفظ الجزيرة آثاراً كثيرة للحقبة المعروفة بما قبل النوراغيّة، وخــلال العصر البرونزيّ كانت حضارة النوراغي سائدة في سردينيا .
وقام باكتشاف “النوراغي” المهندس وعالم الآثار الإيطالي جيوفاني ليليو في العام 1951، ومنذ ذلك الحين ولا تزال عمليات الحفر والتنقيب قائمة، ويبلغ ليليو اليوم من العمر 95 عامًا، إلا أن هناك عدة فرق تقوم بقيادة علماء آثار آخرين بمتابعة مسيرة التنقيب التي يبدو أنها لن تعرف نهاية، فبالقرب من “النوراغي” يوجد متحف “كازا زاباتا” الذي يعرض قسمًا من النوراغي التي استعمل في بنائها الحجر الكلسي والبازلتي، واللافت في تلك البيوت أنها تنتشر على مسافات شاسعة، لأنها لا تقتصر على منزل واحد، إلا أنها محاطة ببيوت صغيرة أخرى كان يسكنها العمال، ويعرض في المتحف أيضًا عدد كبير من التماثيل البرونزية التي اشتهر بها “النوراغيون” ،
وتعتبرها منظمة اليونسكو أحد المواقع التي تعود إلى التراث الإنساني الذي يفترض حمايته.
تتوزع أراضي سردينيا على 7 آلاف موقع تمثل الحضارة النوراغية، وطبقاً لبعض رجال الفكر، فإن الشعوب النوراغية تنتمي إلى قبيلة شاردانا وهي قبيلة تنتمي إلى شعوب البحار (بحر إيجة) .
تحتوي سردينيا على مكونات جيولوجية هي الأقدم في أوروبا . وخضعت الجزيرة لموجات هجرة ضخمة من اليونان وجزرها في بحر إيجة منذ القدم .
ويحتمل أن أقدم تلك الهجرات جاءت من إيطاليا واستقرت في شمالي سردينيا خاصة من توسكاني، في حين أن هجرات قدمت من قبرص وسانت غويستا واستقرت في مناطق البحيرات المالحة، وتشكل مستوطنات حول خليج كالياري، وكانت هذه الهجرات من شعوب ذات أصول مختلفة .
وحسب المصادر التاريخية , فقد بدأ الفينيقيون يزورون سردينيا في الألفية الأولى قبل الميلاد بأعداد كبيرة وبداية للإيواء أو للهرب من الأنواء البحرية للرسو في موانئها الهادئة حيث كان الفينيقيون يشغلون الطرق البحرية التجارية التي تمتد من لبنان إلى شمالي إفريقيا وسواحل الأطلسي وصولاً إلى بريطانيا . وتدريجياً تحولت معظم موانئ سردينيا إلى بؤر استيطانية للتجار الفينيقيين وأسرهم . وهؤلاء كانوا يتاجرون في أعالي البحار ومع السردينيين . واتسمت العلاقات بين الشعبين بالوئام والسلام . وبعد مرور مئات السنين بدأ الفينيقيون يتمددون إلى داخل سردينيا مستفيدين من المصادر الطبيعية وأسسوا قاعدة عسكرية متمثلة بقلعة مونت سييرا في العام 650 قبل الميلاد .
لجأ إليها آلاف القرطاجيين في أعقاب حرب قرطاج الأولى وبعد أن أصبحت كل المنطقة خاضعة لهيمنة الرومان . ودام حكم الرومان لسردينيا نحو 694 سنة وخلال تلك الحقبة الطويلة كانت سردينيا مصدراً مهماً للحبوب للعاصمة روما .
بورتو شيرفو
كان الغذاء في فندق / لي بالاما Le Palma / من خيرات البحر وثمارة الرائعة واطلالة الفندق بحدائقه الجميلة ومسابحه علي ميناء / بورتو شيرفو / تسحر الالباب
يعتبر ميناء / بورتو شيرفو / في منطقة / كوستا سميرالدا / ملتقي يخوت الأمراء والأثرياء من كل حدب وصوب, وهناك في تلك المنطقة تلتقي طيور النورس البحرية مع أشرعة اليخوت و أشعة الشمس وقت الغروب لتزيدها بهاءً ورونقًا .
كما أن الزوار الذين جاءوا إلى الجزيرة من الشرق والغرب من أوروبا والخليج العربي تراهم فقط في المطاعم أو تلك الحانات الصغيرة المنتشرة في السوق الجميلة المشيدة على الطراز الروماني و الذي بناه الأمير كريم أغا خان أكبر رجل أعمال ومستثمر في جزيرة سردينيا كلها .
وتناولنا العشاء في مطعم / يوYou / المطل علي المارينا وكانت بالفعل امسية لاتنسي مع الطبيعة والموسيقي والهواء العليل .
كولونا ريسورت !
يقع هذا الفندق الجميل الذي أقمنا فيه طوال الرحلة بين مجموعة من التلال ومحاط بالحدائق والألوان الزاهية للورد والفراشات، ويقع وسط الغابات المتوسطية التي تُضيف بُعدًا خاصًا لراحة البال بين الخضرة وزرقة الماء والسماء في مشهد مهيب بالجمال.
خلال اقامتنا في الجزيرة توجهنا إلى زيارة مزرعة الفاكهة و الخضار المملوكة لاحد منظمي الرحلة السيد روكو ليويجي أستوري نائب رئيس اتحاد هيئات السياحة في ايطاليا وممثل الاتحاد في سردينيا , وكانت من اجمل لحظات الزيارة , حيث نعمنا بالطبيعة وتناول فاكهة التين من اغصان الاشجار والتي تتميز بها الجزيرة المتوسطية في الصيف .
جولة بحرية
من اجمل اللحظات تلك التي امضيناها علي متن اليخت في جولة بحرية شاهدنا خلالها جمال الحياة البحرية والشواطئ الساحرة مابين سردينيا الايطالية وجزيرة كورسيكا الفرنسية , انطلق بنا اليخت لكي نمارس هوايات الصيد والسباحة في اعماق البحر المتوسط اجمال بحار الدنيا واكثرها سحرا !
لقد شاهدنا خلال الجولة البحرية شواطئ السحر والجمال في ” كوستا أزميرالدا”
و هو الشاطئ الزمردي الشهير الذي شيدت فيه الأبنية الأسمنتية للمرة الأولى في مطالع القرن العشرين.ولاقت هذه المباني هوى النخبة المترفة التي ظهرت في ستينات القرن نفسه. ويشبه البعض كوستا أزميرالدا بالشاطئ اللازوردي فهي مقصد النخبة من السياح الذين يأتون للاسترخاء والتنعم برفاهية العيش مما يجعلها مركز السياحة المخملية بامتياز .
الغذاء كان في جزيرة / مادالينا / وهي صخرية صغيرة وسط البحر وتحديدا في مطعم / La Scogilera / ولايمكن وصف تلك اللحظات التي تتناول في طعاما طازجا كل مكوناته من البحر وانت جالس بصحبة الطبيعة الساحرة علي ضفاف البحر .
كولونا بيفرو
تجولنا في فندق / كولونا بيفرو Colonna Peveo الجميل المشيد علي الطراز الروماني القديم بين مجموعة من التلال ومحاط بالحدائق والاشجار والنوافير وبرك السباحة والشرفات .
جلسنا وقت الغروب في شرفة الفندق المطلة على حدائق الزهور الساحرة ، حتى داهمنا سحر أضواء الليل المقبلة من القمر، وحمامات السباحة تبدو أمامنا وكأنها واحة للسلام .
وجذبنا أيضًا تصميم الغرف بالأسلوب التقليدي والحديث، وهي مجهزة بأحدث التقنيات، والفندق الذي شيده رجل أعمال من سردينيا في العام 2007 يضم 102 غرفة وجناح ومطعمين وخمسة أحواض سباحة، وقاعات للمؤتمرات، ومركز أعمال، ومركز لياقة، وحمامات صحية ومركز تجميل، ومهبط للمروحيات.
تناولنا العشاء علي مائدة مديرة الفندق الانسة باولا مانيشي والتي تحدثت معنا عن مشروعات جديدة لتوسيع الاجنحة والغرف وبعض المرافق في الفندق اضافة الي اطالة امد الموسم السياحي اعتبارا من مايو الي اكتوبر في كل عام نظرا لتدفق المزيد من السياح الي الجزيرة .
الجزيرة الجميلة !
لقد جذبتنا الجزيرة الجميلة والمعروفة بأشجار الصرو والصنوبر والشربين وشواطئها الرائعة والجميلة والشفافة، لطبيعتها الخلابة ومزاجها الإيطالي الجنوبي والتقليدي إضافة إلى شهرة شواطئها عالميًا، وتضم الجزيرة ثروة حيوانية ونباتية نادرة ولاسيما بعض أنواع العصافير التي لا توجد في أي مكان آخر في العالم.
يقول ليويجي أستوري الذي حدثنا عن الجزيرة الجميلة وسر تفوقها في الحفاظ علي الطبيعة / إن لدينا حرصًا كبيرًا على حماية البيئة، لأنها رصيدنا الذي لاينفد، وأضاف أن سردينيا التي يصل عدد سكانها إلى حوالي مليوني نسمة، تعد من أحد الأقاليم العشرين في إيطاليا وواحد من خمسة منها تتمتع بالحكم الذاتي بموجب قانون خاص نص عليه في الدستور الإيطالي / .
وقال إن جمال الطبيعة يغري الكثير من رجال الأعمال الخليجيين والأوروبيين والإيطاليين لبناء منازلهم الخاصة هنا لقضاء عطلات لاتُنسى على شواطئ الجزيرة التي تنشط في فصل الصيف وتستريح قليلًا في الشتاء.
وأشار إلى أن هناك شروطًا صارمة بالنسبة للبناء على الشواطئ ووسط الجبال، لأن البلدية تضع في المقام الأول حماية البيئة والحفاظ على المشهد الجمالي العام للجزيرة قبل أي شيء آخر .
الجزيرة تتألف من ثماني مقاطعات وهي “مقاطعة كالياري، وساساري ، وأوريستانو، ونوورو، وأولبيا تيمبيو ، وكاربونيا، وإغليسياس، وميديو كامبيدانو وأولياسترا، وبالطبع هناك العاصمة كاليري التي تقع في جنوبي الجزيرة أو بالأحرى على خليج كاليري الجميل. وكذلك المنطقة المعروفة بكاستيلو التي ورثها الرومان عن الفينيقيين وهي من أقدم أحياء المدينة.
ويمكن للزائر التمتع بالمتحف العام فيالي بون كاميليو، والتوجه شمالًا لرؤية المدرج الروماني القديم الذي تم بناؤه في حوض الجبل .
ولا يزال المدرج يُستخدم للعروض في الهواء الطلق. وبالقرب من المدرج هناك حدائق البوتانيك المعروفة والجميلة.
ويمكن الاستمتاع بتناول البيتزا الطازجة أو العشاء في مطعم «ريسوتو» للمأكولات البحرية، وهو واحد من أشهر المطاعم في المدينة القديمة التي تعج بالنشاط. أما عن المشاهد الطبيعية الموجودة بالقرب من أليجرو، فهناك منطقة «دي نيتونو» التي تبعد حوالي 45 دقيقة بالسيارة، ويوجد فيها العديد من الكهوف والتكوينات الصخرية الغريبة والصخور الضخمة على ساحل البحر.
وواقعيا أنت لا تستطيع مغادرة الجزيرة دون أن تتذوق العديد من الأكلات المحلية الشهية هناك مثل بطارخ السمك المملح، وأيضا البيض مع السبانخ والقشدة والمطهوة بطريقة خاصة بها. اضافة الي الاجبان المتعددة التي يتم انتاجها محليا والتي تتميز بطعم خرافي .
يهتم السردينيون بصناعة مختلف أنواع الأجبان وال/تورتات/ المختلفة والمعجنات وألوان لا حصر لها من الوجبات المتنوعة والحلويات . وتحتل الحيوانات البحرية جزءاً كبيراً من المائدة، فهناك أطباق أم الروبيان الصخري والبطارخ والتونا والحبار والقريدس والسردين ومؤكولات بحرية أخرى تشتهر بها سردينيا . وبجانب جمال الطبيعة على سواحلها وفي وديانها وكهوفها، هناك العديد من النشاطات الأخرى يمكن للزائر القيام بها في سردينيا , مثل زيارة معالم القرون الوسطى، والصيد، والمشي، وركوب الخيل، ولعب الجولف، وكذلك فرصة للمهتمين بمعالم الحضارات الفينيقية البونية والرومانية، وللمهتمين بالطبيعة لإشباع فضولهم حول موضوعات تتعلق بالجيولوجيا والمعادن، وأخيرا لمحبي الفولكلور والاحتفالات.
Leave Your Comment