تستقبل أكثر من مليون زائر سنوياً مالطا، بلاد الألغاز الحجرية وجزيرة الحياة الليلية التي لا تنام
إعداد: فادية عمار
تُعدّ جزيرة مالطا المكان الساحر الذي يُمكّنك أن تنغمس في غموض التاريخ العريق، جنباً إلى جنب مع التمتّع بأنماط الحياة الحيوية المُثيرة. وسواءً أكنت ترغب في الغوص في أعماق الماضي داخل المعابد الضخمة والأماكن الأثرية الراسخة في أعماق التاريخ، الحانات والمطاعم العصرية الحافلة بالحياة داخل القصور العريقة الأمجاد، أو إمتاع جسدك وروحك وسط المياه الزرقاء الفيروزية المتلألئة في الجزر السحرية الغامضة المنتشرة ستجد مُتّسعاً من الوقت لتجديد روحك وحيويتك، والاستمتاع بكل لحظة تقضيها.
تتميز جزيرة مالطا بموقعها الجغرافي الاستراتيجي الفريد، فهي تتوسط البحر الأبيض المتوسط، جنوب غرب صقلية. ومالطا ليست جزيرة واحدة، وإنما أرخبيل مؤلف من خمس جزر، ثلاث جزر منهن مأهولات، وهي مالطة، غودش وكمونة. وكان لموقعها الاستراتيجي دور كبير وهام في استقطاب العديد من الحضارات والثقافات، فضلاً عن الغزاة، حيث حفلت أرضها بالوافدين من الرومان والبيزنطيين والعرب، إضافة إلى الأوربيين، مما ترك خليطاً معمارياً وفنياً فريداً، من كافة النواحي الحضارية والتراثية والثقافية. وهي على صغرها نسبة إلى جزيرتي قبرص وكريت في اليونان، تعدّ من الجزر الرائعة الجمال، والتي تتمتع بجميع المواصفات التي يتميز بها أي موقع سياحي ممتاز على طول سواحل البحر الأبيض المتوسط الرائعة.
بلاد العسل والماء
يقال أن اسم الجزيرة مالطا، يتدرج من كلمة “ميلي” في اللغة اليونانية والتي تعني “العسل الحلو”، حيث تشتهر الجزيرة منذ قديم الزمان بعسلها الممتاز والمتميز، وليس غريباً أن يُطلق عليها اسم “بلاد العسل”. وتشتهر جزيرة مالطا في البحر المتوسط بطقسها الدافئ وشمسها الساطعة، حيث تجذب إليها كل عام مئات الآلاف من الزوار الذين لا يستطيعون الابتعاد عن شواطئها الخلابة. وعلى هذه الجزيرة اختار البريطانيون بناء خطوط تحصيناتهم التي صارت تعرف بخطوط فيكتوريا، والتي تعتبر تراثاً تاريخياً رائعاً، يقسم الجزيرة عملياً الى نصفين شمالي وجنوبي لتمنح الزوار رؤية بانورامية مذهلة.
جنّة التراث والحضارات
تبدأ الرحلة من وسط مدينة “موستا”، الشهيرة بكنيستها المقببة والمعروفة باسم “موستا روتندا”، والتي يعود تاريخها إلى عام 1860. كما أقام البريطانيون ثلاثة حصون قوية في مالطا حوالي عام 1897 وربطوا بينها بسور ضخم، وبقيت لتمثل فناً رائعاً يزوره الكثيرون كل عام. وفي عام 1902 تم اكتشاف حفرة تحت الأرض، في شارع صغير مهمل داخل “فاليتا” عاصمة الجزيرة، تؤدي إلى مبنى سريّ صخري بني قبل تاريخ الإنسان، يتكون من غرف متقاطعة ومتصالبة، الأمر الذي أدهش العالم بأسره. ويتميز المبنى بكمال التشكيل وروعة التصميم، وهو ينقسم إلى ثلاثة طوابق ويبلغ عمقه 12 متراً، كما ترتفع من أرضيته أعمدة صخرية ضخمة تسند سقف المبنى على شكل قبّة، ولم يعرف علماء الآثار حتى الوقت الحاضر هوية مصمم وباني هذا المبنى، الذي يعود تاريخه إلى العصر الحجري، ليُمثّل هذا المبنى واحداً من أكثر الآثار تعقيداً في العصر الحجري، لاحتوائه على الكثير من الألغاز التي لم يتمكن العلماء من قك طلاسمها بعد.
معبد الشمس
أما معبد “مونيادري” واسمه الآخر “معبد الشمس”، والذي تم بناؤه قبل 12,000 سنة،
فهو يرسم المزيد من خطوط الحيرة والإعجاب لدى الكثير من علماء الآثار، كما يحظى بإعجاب وتوافد الزوار والسياح من كافة أرجاء العالم، حيث يتميز هذا المبنى بتشكيل غريب وفريد يُذهل الزوار والعلماء ويحيرهم. وقام رسّام هندسي مالطي بقياس ومسح أرضية هذا المعبد ليطرح بعدها فرضية مدهشة، لافتاً إلى أن هذا المعبد يُمثل في الحقيقة ساعة شمسية دقيقة جداً! وأشار الرسّام الى أن أشعة الشمس الساقطة على مذبح المعبد وأعمدته الحجرية تدلّ على الظواهر الموسمية المهمة في السنة بدقة عالية. وما زالت هذه الصخور الضخمة تقف على أرض الجزيرة صامتة تنتظر يوم كشف أسرارها للعالم.
أرض خصبة للتاريخ والترفيه
تقدم الجزيرة خدمات سياحية ممتازة، حديثة ومتنوعة. ومن أهم متاحفها ومواقعها المهمة والمعروفة متحف “رومان هاوس” في الرباط، والذي يضم أفخر أنواع الفسيفساء الرومانية في منطقة البحر المتوسط، إلى جانب فسيفساء بومباي وصقلية. كما يمكن زيارة متحف “نورمان هاوس” الذي تمّ بناؤه خلال القرن الخامس عشر، ومتحف “فلينا بالاس” المشهير بمدخله المذهل، وللمغرمين بالتاريخ الروماني يمكنهم زيارة فيلا “كاسا تاستافيراتا” المتميزة. وتمتد بين الرباط والعاصمة حدائق “هاورد” الفائقة الجمال، والتي تعتبر من أكبر الحدائق في الجزيرة، مما يمنح السائح فرصة للتنفس والتمتع بشتى أنواع النباتات. وتعتبر مالطا حقلاً فسيحاً لمحبي رياضات الماء، سواءً لهواة التزلج فوق الماء، السياحة، أو الغطس. وأغلب السياح يقصدونها من أجل مناظرها الطبيعية الخلابة، وطلباً للشمس والرمال والشواطئ الجبلية بالإضافة إلى السياحة الأثرية، حيث يلتقي التاريخ في مالطة مع أحدث مظاهر السياحة العالمية، فتلتقي فيها أوروبا مع إفريقيا وبلاد العرب، فهي مزدحمة بآثار الأحداث التاريخية.
جزيرة الحياة الليلية والحفلات الصاخبة تشتهر العاصمة “فاليتا”، بأزقتها التاريخية الضيقة والصغيرة والمرصوفة بالحجارة، وتعتمد العاصمة على السياحة كأهم دخل لها، نظراً لما تتمتع به من طبيعة خلابة وشوطئ جميلة وفنادق على جميع المستويات، حيث يزورها حوالي مليون سائح في السنة. وتتميز بحفلاتها التي تمتد إلى السادسة صباحاً فهي حقيقة جزيرة لا تنام وخاصة في فصل الصيف، كما حقق مهرجان مالطا شهرة واسعة على الرغم من صغر حجمها، حيث يتميز بتقديم مزيج مذهل من الموسيقى، والتي تجمع بين الثقافة العربية والإيطالية، فضلاً عن الرقصات الشبيهة بالدبكة. وتحفل العاصمة بمحلات التحف والتسوق. وتزخر مدينة “سليمة” بأجمل الفنادق والمطاعم والشقق المفروشة ومحلات التسوق، والتي تفتح أبوابها حتى ساعات الليل المتأخرة، حيث يستمتع زوارها بجميع أنواع المأكولات البحرية والسلطات والسمك الطازج والفواكه وغيرها الكثير. وتفتح مدينة “ساجن جوليان” أحضانها لاستقبال السياح الشباب، فهي مدينة لا تنام وتعج بالسياح والشباب، وفيها متسع لهواة الصخب والموسيقى والرقص، فضلاً عن الأماكن المتوافرة لمحبي الأماكن الفخمة أو الهادئة والرومانسية على الشاطئ الخلاب. كما تضمّ المدينة أرقى أنواع الفنادق، حيث تمّ تجهيز بعضها بميناء صغير خاص لليخوت. ويستطيع الزائر بعد ذلك الانتقال إلى مدينتي “بوجبة وألاورا”، اللتان تحفلان بالفنادق والمقاهي والمطاعم الرائعة والمنتشرة على طول الشاطئ. وللراغبين في السياحة العائلية الهادئة والمتميزة، تشكل منطقتا “شمشية وعين تفاحة” المكان المثالي لهذه الرحلة، حيث يمكنهم الاستمتاع بالشواطئ اللازوردية الرائعة، فضلاً عن مدينة الألعاب التي توفر لزوارها قمة المتعة والإثارة.
Leave Your Comment