ايران .. البكاء على اطلال الامبراطورية ! جولة في قصور الشاه ” كاخ سعد آباد ” شمال طهران
طهران – د.جمال المجايدة : بعد انقضاء رحلتنا المليئة بالمغامرات والمتاعب في شمال ايران , عدنا الي طهران عبر ذلك الطريق الجبلي الصعب الذي استغرق بناءه 20 عاماً وذلك في عهد شاه رضا , والد الامبراطور السابق محمد رضا بهلوي , وهو الطريق الوحيد الذي يربط بين شمال ايران والعاصمة طهران .
في طريق العودة بالسيارة المتهالكة مررنا بانفاق تنضح بالمياه وظلام دامس في انفاق طويلة محفورة في اعماق الجبال , واسلوب الايرانيين في قيادة السيارات لامثيل له في العالم حيث لاتوجد قواعد متعارف عليها هناك , تقود ولاتدري الطريق لمن , هذا بالاضافة الي انهم يتسابقون في الطرق الجبلية علي ارتفاع اكثر من خمسة الاف متر فوق سطح البحر .
العودة الي العاصمة طهران صادفت يوم جمعة ايضا , وهو اليوم الوحيد الذي يخرج فيه الايرانيين الي الجبال والاودية لقضاء العطلة الاسبوعية والطريق الجبلي سالف الذكر كان مليئاً بالسيارات ولامجال لان تسير السيارة بسرعة تزيد علي 10 كليومترات في الساعة بسبب الزحام فعلي مسافة تزيد علي الثلاث ساعات كانت السيارة تئن وتئن الي ان وصلنا الطريق السريع الا انه كان مكتظا بالسيارات مثل أي شارع وسط العاصمة , اذن تلك هي الحياة في ايران صورها لاتخلو من الزحام الممزوج بالفوضي والمغلف بالتسامح نتيجة لان الناس طيبون خاصة نحو الزوار الاجانب بغض النظر عن دينهم او عرقهم .
الايراني يفرح كثيرا اذا زاره زائر اجنبي في منزله لانه يري في عيون الزائر البلد التي جاء منها وقد يحلم برؤيتها يوما .
والاسرة الايرانية تود لو زيارة الوافد اليها تطول وتطول لتقدم كل مالديها من مقومات الضيافة واكرام الضيف .
اذكر في احدي المرات اننا قمنا بزيارة الي عائلة ايرانية في طهران, كان افراد الاسرة قد احتفلوا للتو بخطوبة ابنتهم ( سمية ) الي شاب قريب من العائلة وكانت البهجة تعم المكان واستغرق الجميع في شرح طقوس الزواج في ايران وكانت ( سمية ) هي المتحدث الرسمي في تلك الجلسة باعتبارها العروس المرتقبة واذكر ان جدها راح الي غرفته واحضر علبة مليئة بالكبسولات والدواء . ثم راح يسالني عن افضل دواء لعلاج القلب والام الصدر حينما سمع السائق وهو يناديني بلقب يادكتور ؟ ولم يقتنع انني صحافي واصر علي وصفة علاجية تنقذه من مرض القلب !
زواج المتعة
الالاف من العائلات الخليجية تزور ايران لتمضية بعض الوقت الي جوار مزارات ائمة الشيعة في طهران ومشهد وقم وشيراز واصفهان او في المنتجعات الجبلية المعروفة .
ويلاحظ زائر طهران ان معظم اهتمامات السياح الخليجيين تتركز حول زيارة الاماكن المقدسة في ( مشهد ) حيث اضرحة ائمة الطائفة الشيعية التي يتبعها اكثر من 3 ملايين خليجي .
ويقول رضا جول وهو مرشد سياحي ايراني يعمل في طهران ان هناك العديد من الزيجات المختلطة فالخليجين ياتون الي هنا للزواج الثاني او ربما الرابع وتعدد الزيجات لدي اتباع الطائفة الشيعية امر مرغوب فيه وغالبا مايتوجه البعض بزواج المتعة .
ويفسر( زواج المتعة) بانه حق لكل من يطلبه خاصة اذا كان بعيدا عن عائلته لمدة تزيد عن اسبوع وغالبا ماتوافق العائلات الايرانية من تزويج فتياتها ضمن شروط ميسرة يقتضيها هذا النوع من الزواج المعروف علي نطاق واسع في ايران .
( كاخ سعد آباد ):
قبل مغادرة طهران بيوم واحد , لم يبقي امامنا سوي زيارة احد معالم العاصمة الرئيسية التي تذكرك بالرهبة والمتعة , بالخوف والفرح , وبالحزن والغضب في آن واحد , تلك هي ( كاخ سعد آباد )و تعني هذه الكلمة بالعربية , قصور شاه ايران السابق الواقعة في شمال طهران ارقي احياء العاصمة التي تطل علي تلال خضراء وقمم جبلية , ويبدو ان اجداد الشاه اختاروا تلك المنطقة لبناء قصورهم لانها معتدلة صيفا وشتاءا يخيم عليها الهدوء وجمال الطبيعة .
رسوم الدخول الي القصر الامبراطوري تعادل 4 دولارات فقط , دخلنا مع عدد من الزائرين وغالبيتهم من الايرانيين ورغم ان الزيارة كانت وقت الظهيرة الا ان نسمات الهواء نعش القلب تحت اشجار حديقة القصر .
علي بوابة القصر , ينتصب بقايا تمثال مصنوع من البرونز للشاه الراحل محمد رضا بهلوي وقال المرشد السياحي انه بعد انتصار الثورة وخلع الشاه جري قص التمثال وبقيت الساقين فقط ويصل ارتفاعهما نحو 250 سم , المدخل الي القصر لايوحي بالعظمة , فهل هذايعني ان الشاه المخلوع كان يميل الي البساطة ؟ طرحت هذا السؤال علي فتاة تعمل داخل القصر كمرشدة للزوار الاجانب , قالت ان هذا القصر بناه الشاه قبل 40 عاما فقط وكان يستقبل فيه زواره ويفضل البقاء فيه طوال الصيف .
وقالت ان الملك الاردني الراحل حسين والرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر كانا اخرين الزائرين الي ذاك القصر الامبراطوري .
غرفة نوم الامبراطورة السابقة فرح ديبا مازالت كما هي , صورها وتماثيلها وادوات زينتها ولوحاتها الفنية المفضلة هي هي في مكانها وجلد النمر مفروش علي الارض امام سرير النوم لتصحو صباحا او مساءا , وهي تشاهد راس النمر المتوحش , ربما كانت تعشق النمور المرقطة .
قلت : هاهي فرح ديبا في القصر ؟ يبدو ان الثورة متسامحة معها ! فاجابت المرشدة : انه تراث الشعب الايراني , وعقبت ايضا ثم انها فرح ذيبا وليست ديبا , سألتها مالفرق : قالت : ذيبا تعني لنا انها افضل امرأة !
قلت : هل يعني هذا انكم مازلتم تعتبرونها افضل امرأة ؟ ضحكت وراحت تحكي لنا عن السجادة المفروشة في صالة الاستقبال الرئيسية في القصر , قطعة مذلها مثل باقي القطع الرائعة في القصر ولكن تلك التي في الصالة الكبري يبلغ طولها 140 مترا وعرضها 16 مترا وكلها قطعه واحدة مشغوله يدويا في مشهد علي ايدي افضل صناع السجاد العجمي بالوانه الهادئة. أي قطعة سجاد سواء داخل غرف النوم او الانتظار او الطعام تساوي قيمتها اكثر من 10 ملايين دولار هكذا قالت لنا الانسة كريمي .
تثمال نصفي من الذهب الخالص للشاه بهلوي وزوجته فرح ذيبا في قاعة القصر الجانبية الخاصة بافراد العائلة حيمنا يلتقون مع ذويهم , لم يصادر ولم يحطم مقتنيات الشاه الشخصية مازالت في امكانها حتي يومنا هذا وغرفة البلياردو مازالت كما هي انيقة جدا والعصا التي كان يلعب بها الشاه في مكانها .
غرف القصر متعددة في طابقين فقط كل واحدة اجمل من الاخري الاثاث مزين بنقوش من الذهب والقطع الاثرية الموضوعة كلها من الذهب والفضة والبرونز الهدايا التي تلقها الشاه من الملوك والرؤوساء موجودة كثروة وطنية , الحمامات مطعمة بالزخارف المذهبة , كل شئ مثير للاهتمام داخل القصر الذي يضم الي جواره متحف التاريخ الطبيعي ومتحف العبرة والمتحف العسكري الذي يضم اول سيارة من طراز رولز رويس اشترتها عائلة بهلوي قبل 150 عاما من بريطانيا والي جوارها طائرتي هليوكبتر عراقية غنهما الجيش الايراني ايام الحرب .
الايرانيون وهم يتجولون داخل القصر الامبراطوري يجرفهم الحنين للحديث عن ايام الامبراطورية التي عاشت ايران تحت حكمها اكثر من 2500 سنة , بعضهم يتحدث عن محاسن الشاه الاب رضا والبعض يتذكر ايام الرخاء في عهد الشاه الابن محمد رضا اخرملوك اسرة بهلوي والبعض يريد من الثورة ان تخفض الاسعار مثلما كانت ايام الشاه ؟
تلك الامزجة استشفها لي المرشد السياحي رضا , الذي تعلم الانجليزية في امريكا قبل الثورة غير ان اللافت للنظر ان الناس في طهران تنظر الي الاصلاح كضرورة حتمية وليس مجرد ترف فكري يسيطر علي مجالس السياسيين والحزبيين من رجال دين ومثقفين الخ .
الناس هناك تريد اصلاح البني التحية وكل مايمس الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد , ويريدون من الحكومة ان تبادر الي وقف التضخم والحد من تدهور العملة .
الناس في طهران مشغولين بالغلاء ومحاربة الفقر وتعليم ابنائهم ومهمومين وسط الزحام الخانق بالانفتاح علي العالم الخارجي .
تقول حميدة غلام علي وتعمل موظفة في شركة طيران ” اذا لم تتحرك ايران وتحدث مؤسسات الدولة بشكل يجعلها اكثر انفتاحا علي العالم الخارجي فانها ستعيش في عزلة لان العالم يعيش عصر العولمة الان ولامجال للتراخي “.
البيوت الايرانية في طهران والمدن الرئيسية وصلتها خدمة الانترنيت بلاقيود غير ان الناس تشتكي من ارتفاع رسوم الانترنت كماان اسعار الجوال باهضة وهذه الشكوي ملحة باستمرار .
كل مانود قوله عقب تلك الجولة , ان الايرانيين مشغولين بهموم حياتهم اليومية اكثر من أي شئ اخر , فبعضهم لايدري لماذا تشتعل المواجهات في فلسطين ويسألون عن السبب ؟ والبعض لم يسمع بغزو امريكي للعراق ؟ ولايشغلهم كثيرا مايقوله الرئيس الامريكي بوش حول النظام الاسلامي في ايران بل لا احد يكترث بالسياسة لولا الجمعيات والنقابات والدوائر الحكومية تعلق اللافتات العملاقة علي واجهات البنايات العالية وسط طهران تحمل الشعارات الثورية او اقوال الامام الخميني او المرشد الاعلي السيد خامنئي فان الناس سوف تنسي , لان هناك ما اكثر الحاحا لكي يشغلها عن السياسة انها لقمة العيش والجري لتامين احتياجات الغد المشوب بالتوتر .
هموم اصلاحية !
في بهو الفندق الذي كنا نقيم فيه وسط طهران بادرني طالبان ايرانيان بالسؤال حول اسباب زيارتي الي ايران , قلت للاستكشاف والتعرف علي طبيعة هذا البلد .
ثم واصلا الاسئلة باستغراب غير مصدقين ان الزوار الي ايران متلهفين لقضاء عطلاتهم الصيفية هناك , وقال احدهما ويدعي عليرضا وهو طالب يدرس تقنية الاعلام في الجامعة : بلادنا ليست مهياة لاستقبال السياح او الزوار بسبب القيود التي تفرضها الدولة علي القطاع السياحي وتحرمه من متابعة التطور الذي يستند الي الحرية النسبية مشيرا الي انه من الخطأ ايضا حرمان الايرانيين من ممارسة حياتهم الطبيعية اثناء العطلات مما يضطرهم الي السفر الي تركيا اوبلغاريا للسهر وغيره فمابالك بالزائر الاجنبي الذي اعتاد علي الحرية في بلده او حتي المراة غير المسلمة حينما تزور ايران يفرض عليها ارتداء الحجاب والسروال او البالطو الطويل بهدف الاحتشام وتبدو بلهاء احيانا لانها غير قادرة علي التصرف او ممارسة حياتها بزي لم تعتد عليه من قبل .
الي هنا توقف الطالب في حديثه موجها الانتقادات علي امل ان يسمع احد صوته ويمنح قليلا من الحرية .
غير ان زميله علي يوسفي الطالب الحقوقي في جامعة طهران , اراد الحديث عن موضوع اخر ذو حساسية وطلب مني ان ادعوهما الي الجلوس في صالة الاستقبال ورحبت بذلك , ليبدأ بالقول ان ايران الان تعيش حالة من التوتر بسبب الصراع الخفي بين الاصلاحيين والمحافظين وهي حالة لاتخدم استقرار الاوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد .
وبدا الشاب وكانه يشير الي حدة التوتر التي تصاعدت مؤخرا بين الفريقين بعد التحذير الذي وجهه حراس الثورة الايرانية ( الباسدران) يوم 22 /7/2002 الي الاصلاحيين يتهمونهم بالسعي الي علمنة النظام الايراني وخدمة مصالح الولايات المتحدة الامريكية , والباسدران تضم فرق النخبة في القوات المسلحة الايرانية وتتبع المرشد الاعلى السيد خامنئي وتدخلها في الحياة السياسية بهذه الطريقة ازعج الاصلاحيين وعلي راسهم جبهة المشاركة التي يتزعمها محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس الايراني السيد خاتمي , لان الباسدارن للمرة الاولي منذ بروز الاصلاحيين علي الساحة السياسية في ايران يتهم هذا التيار بالالتفاف علي قيم الثورة وتشجيع النهج الانقلابي الامر الذي اثار حفيظة محمد خاتمي وهو نائب رئيس مجلس الشوري الذي رد علي البيان ورفض محتواه قائلا ان مثل هذه الامور من اختصاص وزارة الخارجية وليس من اختصاص الباسدران .
ويري العديد من المثقفين الايرانيين ان محاولة العسكريين التدخل في الحياة السياسية في ايران ناجم عن التهديدات التي توجهها امريكا لايران خاصة بعدما وضع الرئيس بوش ايران ضمن قائمة ( محور الشر) التي رفضها العالم كله تقريبا .
غير ان الاصلاحيين يرون ان تدخل الجيش الايراني في السياسة لايخدم الاستقرار الاجتماعي او الاقتصادي في البلاد .
الطالب يوسفي يري ان المشكلة الحقيقية هي غياب التفاهم بين الطلبة ورجال الدين بسبب انعدام الحوار بين الاجيال داخل البلد الواحد كل ماهنالك ان رجال الدين يملون ارادتهم علينا دون ان يستمعوا الي اراء طلبة الجامعات , فيما يشير زميله الي ان الاصلاحيين فشلوا حقيقة في التوصل الي صيغة حياة سياسية جديدة ترضي او تنسجم مع رجال الدين.
Leave Your Comment